الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يريد حيث يحمل: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} تقضون لأنفسكم: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا} منهم إنها آلهة وأنها تشفع لهم في الآخرة وأراد بالأكثر الكل: {إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا إِنَّ الله عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.{وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله}قال الفراء: معناه وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161] وقوله: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} [التوبة: 122]، وقال الكسائي: أن في محل نصب الخبر ويفترى صلة له وتقديره: وما كان هذا القرآن مفترى، وقيل: أن بمعنى اللام أي وما كان القرآن ليفترى من دون الله: {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب} تمييز الحلال من الحرام والحق من الباطل: {لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين أَمْ يَقُولُونَ} أي يقولون.قال أبو عبيدة: أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه، اختلق محمّد القرآن من قبل نفسه.{قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} شبيه القرآن وقرأ ابن السميفع: بسورة مثله مضافة، فتحتمل أن تكون الهاء كناية عن القرآن وعن الرسول: {وادعوا مَنِ استطعتم} ممن تعبدون: {مِّن دُونِ الله} ليعينوكم على ذلك، وقال ابن كيسان: وادعوا من استطعتم على المخالفة ليعينوكم، وقال مجاهد: شهداءكم بمعنى ناسًا يشهدون لكم: {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إنَّ محمدًا افتراه.ثم قال: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} يعني القرآن: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} تفسيره.وقال الضحاك: يعني عاقبته وما وعد الله في القرآن انه كائن من الوعيد والتأويل ما يؤول إليه الأمر.وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن (من جهل شيئًا عاداه؟) فقال: نعم في موضعين: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ}، وقوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11]: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من كفار الأمم الخالية: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين} أي كما كذب هؤلاء المشركون بالقرآن كذلك كذب في هذا وبشّر المشركون بالهلاك والعذاب: {وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ} أي ومن قومك من سيؤمن بالقرآن: {وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ} لعلم الله السابق فيهم: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين} الذين لا يؤمنون: {وَإِن كَذَّبُوكَ} يامحمد: {فَقُل لِّي عَمَلِي} الإيمان: {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} الشرك: {أَنتُمْ بريئون مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.قال مقاتل والكلبي: هذه الآية منسوخة بآية الجهاد، ثم أخبر أن التوفيق للإيمان به لا بغيره، وأن أحدًا لا يؤمن إلاّ بتوفيقه وهدايته، وذكر أن الكفار يستمعون القرآن وقول محمد صلى الله عليه وسلم فينظرون إليه ويرون أعلامه وأدلته على نبوته ولا ينفعهم ذلك ولا يهتدون لإرادة الله وعلمه فيهم فقال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} بأسماعهم الظاهرة: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} بأبصارهم الظاهرة: {أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} وهذا تسلية من الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم يقول ما لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع، ولا تقدر أن تخلق للأعمى بصرًا يهتدي به فكذلك لا تقدر أن توفقهم للإيمان وقد حكمت عليهم أن لا يؤمنوا: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا} لأنه في جميع أفعاله عادل.{ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والمعصية وفعلهم ما ليس لهم أن يفعلوا [وألزمهم] ما ليس للفاعل أن يفعله.{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا} قال الضحاك: كأن لم يلبثوا في الدنيا: {إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار} قصرت الدنيا في أعينهم من هول ما استقبلوا، وقال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلاّ قدر ساعة من النهار: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} حين بعثوا من القبور يعرف بعضهم بعضًا كمعرفتهم في الدنيا ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} يا محمد في حياتك: {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل ذلك: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} في الآخرة: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} مجزيهم به.قال المفسرون: فكان البعض الذي أراهُ قبلهم ببدر وسائر العذاب بعد موتهم: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} خلت: {رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ} فكذبوه: {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط} أي عذبوا في الدنيا واهلكوا بالحق والعدل.وقال مجاهد ومقاتل: فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضى بينه وبينهم بالقسط: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ولا ينقصون من حسناتهم ويزادوا على سيئاتهم: {وَيَقُولُونَ} أي المشركون: {متى هذا الوعد} الذي وعدتنا يا محمد من العذاب.وقيل: قيام الساعة: {إِن كُنتُمْ} أنت يا محمد وأتباعك: {صَادِقِينَ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} لا أقدر لها على ضرّ ولا نفع: {إِلاَّ مَا شَاءَ الله} أن أملكه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدة [وأجل]: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} وقت [انتهاء] أعمارهم: {فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ} يتأخرون ساعة: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ} لهم: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} الله: {بَيَاتًا} ليلا: {أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} المشركون وقد وقعوا فيه: {أَثُمَّ} هنالك وحينئذ، وليس بحرف عطف: {إِذَا مَا وَقَعَ} نزل العذاب: {آمَنْتُمْ بِهِ} صدقتم بالعذاب في وقت نزوله.وقيل: بأنه في وقت البأس: {الآنَ} فيه إضمار أي، وقيل: أنّهم الآن يؤمنون: {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} وتكذبون: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا: {ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد هَلْ تُجْزَوْنَ} اليوم: {إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} في الدنيا. اهـ.
|